متقاعدو قطاع غزة… والمستقبل المجهول؟
نشر بتاريخ: 2025/12/21 (آخر تحديث: 2025/12/21 الساعة: 17:24)

في وطنٍ أنهكته الحروب، لا تُقاس الخسارة بعدد الشهداء وحدهم، بل بعدد الذين بقوا أحياء بلا حياة. في زوايا البيوت المتعبة، وتحت أسقف الخيام، يجلس المتقاعد الفلسطيني في قطاع غزة على كرسي الانتظار الطويل، يحدّق في فراغ الأيام، ويسأل بصوتٍ مكسور: أهذا هو جزاء العمر الذي أفنيته في خدمة الوطن؟

قضية متقاعدي قطاع غزة ليست ملفًا إداريًا عابرًا، ولا بندًا مؤجّلًا في دفاتر القرار، بل جرحٌ وطنيٌّ مفتوح، ينزف بصمت، وينتظر قرارًا شجاعًا وعلاجًا فوريًا، يعيد لهذه الفئة حقها في العيش بكرامة تليق بتاريخها وتضحياتها.

خصومات بلا رحمة… واستنزاف بطيء

بدأت المعاناة بسلسلة خصومات متتالية، لم تُفرض دفعة واحدة، بل جاءت متدرّجة، محسوبة، كأنها تُختبر على أعصاب المتقاعدين وقدرتهم على الصبر. خصومات مالية، تقليصات حادة، إحالات قسرية إلى التقاعد المبكر، ثم جمودٌ طويل في أي تحسين أو تصحيح، حتى تحوّل الراتب—إن وصل—إلى مبلغٍ هزيل بالكاد يسدّ رمق الحياة.

تحوّل الراتب من حقٍ مكتسب إلى منّة، ومن ضمانة لشيخوخة آمنة إلى ورقة قلقٍ دائمة، لا يعرف صاحبها إن كانت ستصله كاملة، منقوصة، أم ستنقطع بلا سابق إنذار. هكذا، صار المتقاعد أسير انتظارٍ شهريٍّ يفتك بالكرامة قبل الجيب.

حياة على حافة العوز

المتقاعد في غزة لا يشتكي ترفًا، بل يئن من احتياجاتٍ أساسية:

دواء مفقود، علاج مؤجّل، فواتير متراكمة، وأطفال يحدّقون في عينيه بحثًا عن أمانٍ لم يعد قادرًا على توفيره. أمّا هو، الذي كان يومًا عماد مؤسسة، أو جندي خدمة عامة، أو موظفًا حمل عبء المسؤولية بصمت، فقد بات اليوم مكسور الخاطر، يشعر أن الزمن تجاوزه، وأن القرار وضعه على رفوف النسيان.

هؤلاء ليسوا أرقامًا في كشوفات مالية، بل بشرٌ أنهكتهم السنين. في شيخوختهم، يشبهون الأطفال؛ يفتّشون عن دواء، عن كلمة تقدير، عن يدٍ حانية تقول لهم: لم ننسَكم.

مناشدة وطنية إلى الرئيس محمود عباس

من قلب هذه المعاناة، نوجّه مناشدة صادقة إلى سيادة الرئيس محمود عباس، بصفته المسؤول الأول عن هذا الشعب، أن يقف عند مسؤولياته الوطنية والأخلاقية تجاه شريحة المتقاعدين في قطاع غزة. هؤلاء ضحّوا بأعمارهم في خدمة الوطن، ولم يتخلّوا يومًا عن واجبهم، فليس من العدل أن يُتركوا اليوم في دائرة الاستضعاف والتهميش.

إنصاف المتقاعدين ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وطنية وإنسانية، ورسالة وفاء لمن خدموا فلسطين بصمت. آن الأوان لقرار يعيد الحقوق، ويوقف الخصومات، ويصحّح المسار، ليعيشوا ما تبقّى من أعمارهم بكرامةٍ لا بسؤال، وبطمأنينةٍ لا بقلق.

فالوطن الذي لا يكرّم متقاعديه…

وطنٌ يشيخ قبل أوانه،

وتنطفئ في ذاكرته شموع الوفاء.