مقدمة
يعاني الأردن من أحد أعلى مستويات الإجهاد المائي في العالم، إذ تقل حصة الفرد من المياه عن ٦٠ م³ سنويًا، مقارنة بخط الفقر المائي العالمي البالغ 500 م³. وتفاقمت هذه الأزمة بفعل التغيرات المناخية، التي أدت إلى تزايد تذبذب الهطول المطري، واشتداد ظواهر الجفاف، وتناقص التغذية الطبيعية للمصادر المائية، بوتيرة أسرع من الإجراءات الحكومية المتخذة.
يهدف هذا التقرير إلى تقديم رؤية متكاملة لإدارة الموارد المائية خلال العقدين القادمين، من خلال حزمة إجراءات فنية وتشريعية واستثمارية، لمواجهة أزمة المياه وتحقيق الأمن المائي المستدام.
أولًا: مشاريع البنية التحتية المائية الاستراتيجية
1.1 تسريع تنفيذ مشروع الناقل الوطني
يعد مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر ونقلها إلى كافة المحافظات، حجر الزاوية في استراتيجية الأمن المائي. التأخير في تنفيذه يعمّق الفجوة المائية، لذلك يتوجب:
• إزالة كافة العقبات التمويلية والتعاقدية.
• تسريع الطرح والتنفيذ ضمن إطار زمني لا يتجاوز عام 2029.
1.2 توسيع بناء السدود والحفائر
• التوسع في السدود الخرسانية الكبرى في المناطق ذات الجريان السطحي الدائم أو الموسمي.
• تسريع الوتيرة السنوية لإنشاء العشرات من الحفائر والسدود الترابية في البادية وأطراف الريف بهدف:
• إعاقة سرعة السيول الوميضية.
• تخزين المياه السطحية لاستخدامات الرعي والزراعة.
• المساهمة في الحقن الجوفي.
1.3 استغلال المساقط المائية
• يقدّر عدد المساقط المائية غير المستغلة بأكثر من 3500 موقع.
• يمكن استغلال هذه المواقع لجمع ما يزيد عن 500 مليون م³ سنويًا.
• ذلك يتطلب برنامجًا وطنيًا لرسم خرائط المساقط، وجدوى بناء سدود صغيرة أو حصاد مياه الأمطار فيها.
ثانيًا: الحوكمة الإقليمية للمياه
2.1 إعادة التفاوض على حصص نهر اليرموك
• تشكل مياه نهر اليرموك مصدرًا هامًا لتغذية سد الوحدة.
• على الأردن بدء مفاوضات جديدة مع الجانب السوري، وفق اتفاقية 1987، لضمان تدفقات مائية عادلة ومستقرة.
2.2 إدارة الأحواض الجوفية المشتركة
• بعض الأحواض الجوفية مثل الديسي تمتد عبر حدود دول الجوار.
• ضرورة التوصل إلى اتفاقات إدارة مشتركة لضبط الاستخدام، ومنع الاستنزاف والتملح، عبر أطر إقليمية مشابهة لاتفاقيات الأحواض العابرة للحدود في القانون الدولي.
ثالثًا: التحول الرقمي وتقليل الفاقد ( لمياه الشرب والري)
• تقدر نسبة الفاقد في شبكات المياه بنحو 45%، وهي من الأعلى عالميًا.
• استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والرقمنة في:
• الكشف المبكر عن التسربات.
• إدارة الضغط في الشبكات.
• برمجة الصيانة الوقائية.
• دعم الشراكة مع القطاع الخاص في مشاريع العدادات الذكية ونظم إدارة البيانات المائية.
رابعًا: تنويع مصادر المياه غير التقليدية
4.1 استخدام المياه المسوسة في الزراعة
• توجد موارد مائية مسوسة في وادي الأردن تتجاوز ملوحتها 2000 جزء بالمليون.
• يمكن استثمارها في الزراعة عبر:
• دعم إنشاء محطات تحلية صغيرة من قبل جمعيات مستخدمي المياه أو مستثمرين زراعيين.
• تنظيم التخلص الآمن من نواتج التحلية لمياه المسوس في وادي الأردن (brine) في الأودية المتجهة نحو البحر الميت، بما لا يؤثر على التربة أو التنوع البيولوجي.
4.2 الحقن الجوفي للأحواض المائية
• استخدام المياه السطحية المجمعة خلف الحفائر والسدود الترابية في مشاريع الحقن الجوفي لتعويض الانخفاض في منسوب المياه الجوفية.
خامسًا: البعد التنموي والرعوي
• تخصيص جزء من المياه السطحية المجمعة لمربي الثروة الحيوانية لسقاية المواشي.
• زراعة مراعي موسمية حول الخزانات المائية لتحسين الأمن الغذائي الحيواني.
توصيات استراتيجية
تمثل أزمة المياه في الأردن تحديًا وجوديًا يتطلب إجراءات متكاملة ضمن رؤية وطنية شاملة. ويوصي هذا التقرير بما يلي:
1. إعلان الأمن المائي كأولوية وطنية عابرة للحكومات.
2. إطلاق مرصد وطني للمساقط المائية والحفائر والسدود الصغيرة.
3. تبني نماذج الحوكمة المشتركة للمياه الجوفية والإقليمية للمياه السطحية.
4. تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في التحلية الزراعية ومشاريع العدادات الذكية.
5. إدماج التغير المناخي كمحدد رئيسي في السياسات المائية والتخطيط العمراني والزراعي.