قناة الكوفية الفضائية

البابا الجديد يثير جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي.. فما السبب؟

11 مايو 2025 - 18:29

 بمجرد تنصيبه على رأس الكنيسة الكاثوليكية، أعاد البابا الجديد، ليو الرابع عشر، في أول خطاب علني له، إحياء ذاكرة القديس أوغسطين، أحد أعظم الأسماء المسيحية التي خرجت من أرض الجزائر القديمة، معلنًا أنه 'أوغسطيني المنهج'.

وقد فجّرت كلمات الوافد الجديد على المنصب البابوي موجة من الاهتمام العالمي والإقليمي بأوغسطين، الذي عاش قبل 16 قرناً في الجزائر، وأثّر بفكره اللاهوتي والفلسفي في مجمل الفكر المسيحي الغربي.

والقديس أوغسطين (354م – 430م) هو أحد أبرز أعلام الفكر المسيحي والفلسفي في التاريخ، وُلد في مدينة طاغست، التي تقع اليوم في سوق أهراس بالشرق الجزائري، وعاش جزءاً كبيراً من حياته في مدينة هيبون، التي تُسمّى عنّابة حالياً، وبها كنيسة كبيرة تحمل اسمه.

ويُعتبر أوغسطين أحد “آباء الكنيسة اللاتينية الأربعة”، وكان له تأثير عميق في صياغة العقيدة المسيحية الغربية. جمع بين العقلانية الفلسفية المتأثرة بأفلاطون وأفكار المسيحية، فصاغ رؤية لاهوتية وفلسفية شاملة ظلّت مرجعاً لقرون طويلة. ولا تزال كتاباته، مثل “الاعترافات” و”مدينة الله”، تُدرّس حتى اليوم في كبريات الجامعات والمعاهد الدينية، وتُعتبر من اللبنات الفكرية الأساسية في الحضارة الغربية المسيحية.

ولكون أوغسطين جزائرياً، فقد أشعل تصريح البابا، الذي التقطته وسائل الإعلام في مختلف القارات، تفاعلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي في البلاد. وعلى السريع، علّق الصحافي السعدي نور الدين بالقول: “بعد 16 قرناً من رحيله.. القديس أوغسطين يزرع اسم الجزائر في كل وسائل الإعلام في القارات الخمس”، في إشارة إلى هذا الحضور الرمزي القوي الذي أعاده البابا الجديد إلى الواجهة.

وتوسّع الجدل إلى مستويات أعمق، عندما نشر الوزير السابق والكاتب نور الدين بوكروح مقالاً بعنوان “الجزائر المسيحية”، تناول فيه البُعد التاريخي المسيحي للجزائر قبل الفتح الإسلامي، متوقفاً عند شخصيات جزائرية مسيحية بارزة، على غرار القديس أوغسطين، وأسقف ميلة أوبطاط دو ميلاف. وذكّر بأن أوغسطين استمد فكره من هذا الأخير، وأن البابا الحالي سبق له أن شارك في ندوة دولية نُظّمت في الجزائر عام 2001 حول أوغسطين، حين كان بعيداً عن المناصب. وتوقّف بوكروح عند رمزية القديسة مونيكا، والدة أوغسطين، البربرية الأصل، معتبراً أن هذا الامتداد الروحي والتاريخي يُمثّل جزءاً غير مرئي من الهوية الجزائرية المعاصرة.

وفي ظل هذا الاهتمام، حاول البعض الاستثمار في جزائرية القديس أوغسطين لزيادة التأثير الجزائري في منطقة المتوسط.

وفي رسالة رمزية مفتوحة إلى الرئيس عبد المجيد تبون، اقترح جزائري مقيم في كاليفورنيا توجيه دعوة رسمية للبابا لزيارة مدينة عنّابة، أرض القديس أوغسطين.

وتحت عنوان لافت: “حين يُصافح أوغسطين تبون… سلامٌ من هيبون إلى الفاتيكان”، عبّر الكاتب عن أمله في أن تكون هذه اللحظة مناسبة لإعادة وصل ما انقطع بين ضفتي المتوسط، لا من باب الدبلوماسية أو الاستعراض، بل من منطلق إنساني وثقافي يليق بمكانة الجزائر كمهد لفكر لا يزال يلامس عقول الملايين.

ولم يخلُ الجدل حول أوغسطين من بُعد الهويات المتجاذبة داخل الجزائر، خاصة على وقع قضية تصريحات المؤرخ محمد الأمين بلغيث حول الأمازيغية، والتي كلفته السجن.

وفي الوقت الذي احتفى فيه كثيرون بإعادة هذا الرمز إلى الأضواء، عاد آخرون إلى استحضار سؤال الأصول، حيث تحدّث الباحث الإسلامي الحاج ذواق عن أصول أوغسطين قائلاً: “البابا الجديد… ليو الرابع عشر يخطب قائلاً “أنا أوغسطيني المنهج”.. للتذكير أوغسطين، أمازيغي من الجزائر”.

وردَّ عليه البعض بنقلهم كلاماً منسوباً إلى أوغسطين عن الأصول الكنعانية، دعماً لنظرية الوجود الفينيقي القديم في شمال إفريقيا، والتي ترفض فكرة أن الأمازيغ هم لوحدهم السكان الأصليون في المنطقة.

وخارج سياق الاحتفاء، كتب يوسف عبد الرحمن منتقداً إحياء تاريخ القديس أوغسطين في الجزائر، حيث اعتبر أن “أفكاره مهّدت للحروب الصليبية ومحاكم التفتيش والمجازر الجماعية التي ارتُكبت باسم الحرب المقدسة، حيث كان المبشّرون يجوبون العالم جنباً إلى جنب مع الجيوش العسكرية، قصد إدخال غير المسيحيين إلى “مدينة الله”. و”مدينة الله” هو عنوان كتاب لأوغسطين”.

وأضاف أن “من مظاهر الاستلاب والتيه الهوياتي، الاحتفاء بفيلسوف التثليث أوغسطين، والتنكر للفاتح عقبة!”.

وبدا أن القاسم المشترك الأغلب في كل هذه التفاعلات، كان الرغبة في إحياء هذا الإرث التاريخي، سواء عبر تنشيط السياحة الدينية في عنّابة، أو من خلال دمج القديس أوغسطين في الخطاب الثقافي الجزائري، لا بوصفه مسيحياً فحسب، بل كمفكر عالمي وُلد وتشكّل فكره على هذه الأرض. فهل تنجح الجزائر، كما تساءل بوكروح، في إعادة الاعتبار لأحد أبرز أعلامها دون عقدة.

Link: https://mail.alkofiya.org/post/269652